في خطوةٍ فنية جريئة وغير مألوفة في المشهد الموسيقي العربي، أطلق الفنان أمين هاشم أغنيته الجديدة “غنّاكِ القلب”، بلغةٍ عربيةٍ فصحى وأسلوبٍ أوبراليّ يجمع بين الأصالة والحداثة. ومن خلال هذا العمل، قدّم رؤية موسيقية متفرّدة تعيد الاعتبار إلى اللغة العربية، بوصفها لغة قادرة على الغناء والتعبير الراقي والعاطفة الإنسانية العميقة.
الأسلوب الأوبرالي في “غنّاكِ القلب” لم يكن تجربة عابرة، بل خياراً فنياً مدروساً يعكس فلسفة هاشم الموسيقية القائمة على إزالة الحواجز بين الكلاسيكي والشعبي، وبين الشرق والغرب. فالأوبرا بالنسبة له ليست استعراضاً صوتياً، بل وسيلة لنقل المشاعر بعمقٍ درامي وإنساني، وهو ما ظهر جلياً في مزجه البعد الأوبرالي بالروح الشرقية ليقدّم عملاً يعكس هويته الفنية المتفرّدة.
وقت العودة الى اللغة الأم
أكد أمين هاشم أنّ اختياره الغناء باللغة العربية الفصحى لم يكن مصادفة، بل نابع من إيمانٍ عميق بجماليات هذه اللغة وقدرتها الموسيقية الفريدة.
وأشار إلى أنه بعد سنواتٍ من الغناء بلغاتٍ متعددة -الإيطالية، الفرنسية، الإنجليزية، الروسية، والإسبانية – شعر أنّ الوقت حان للعودة إلى لغته الأم، لغة الشعر والمشاعر. وأضاف: “غنّاكِ القلب” بالنسبة لي دعوة إلى إعادة اكتشاف الفصحى كوسيطٍ فنيّ عابرٍ للزمن والحدود.
تفاصيل أغنية “غنّاكِ القلب”
كشف هاشم أن فكرة الأغنية وُلدت من حنينٍ داخليّ وشوقٍ إلى الحب والجمال وسط عالمٍ صاخب، مشيراً إلى أنّ كلماتها كتبتها والدته، الشاعرة فاديا سكّاف هاشم، بينما تولّى هو تلحينها بالتعاون مع الموسيقي الأميركي براين هولمن، أحد أبرز مرافقيه في مسيرته الفنية.
أما التنفيذ الموسيقي فجمع بين الأوركسترا الفيلهارمونية الأوكرانية وجوقة الأوبرا في كييف، بمشاركة كورالٍ عربي من لبنان، فيما تولّى إخراج الفيديو الموسيقي شقيقه أندرو ج. هاشم، وصُوّر في مسرح كازينو لبنان. هكذا تحوّل العمل إلى تجربةٍ فنية تحمل بصمة العائلة والإنسانية في آنٍ معاً.
وأشار إلى أن فكرة هذه الأغنية جاءت بدافعٍ إنساني وعاطفي جميل، إذ كانت مستوحاة من إلياس ورزان بدّور، وقال: خلال حفلٍ أحييته في الأردن، طلب إلياس أن أقدّم عملاً خاصاً يُهديه إلى زوجته رزان، فكانت تلك اللحظة الشرارة الأولى لولادة الأغنية. ومع مرور الوقت، تطوّرت الفكرة وتبلورت موسيقياً وشعرياً، حتى أصبحت عملاً فنياً متكاملاً يحمل روح تلك القصة وصدق مشاعرها.
بين الفصحى والأوبرا الشرقية
رأى الفنان أن الجمهور العربي بات اليوم أكثر انفتاحاً لتقبّل الأغنية بالفصحى والأوبرا الشرقية بمفهومها العصري. فالمستمع العربي -كما يقول – يبحث عن العمق والأصالة المغلّفة بروحٍ حديثة، مؤمناً بأن الفصحى حين تُقدَّم بإحساسٍ صادق وأسلوبٍ معاصر، تتحوّل إلى لغة موسيقية حيّة قادرة على ملامسة وجدان الأجيال الجديدة.
تحدٍّ بين مدرستين موسيقيتين
أوضح أمين هاشم أن التحدي الأكبر تمثّل في تحقيق التوازن بين الدقّة الأكاديمية للأداء الأوبرالي والعاطفة الدافئة للغناء العربي. فقد حرص على الحفاظ على دفء المقامات الشرقية ومرونتها من دون الإخلال بالبنية الكلاسيكية للصوت، بينما تطلّب التوزيع الأوركسترالي حسّاً فنياً عالياً لتحقيق الانصهار المتكامل بين عالمين موسيقيين مختلفين، ما جعل التجربة مزيجاً متقناً من التقنية والإحساس.
رسالة الفن والهوية
اختصر هاشم رسالته الفنية بالتأكيد على أنّ الموسيقى قادرة على توحيد القلوب، وأنّ اللغة العربية لا تقلّ جمالاً وأناقة عن أيّ لغةٍ عالمية، معتبرا أنّ “غنّاكِ القلب” ليست مجرّد أغنية، بل دعوة للاحتفاء بالهوية والحب والجمال بروحٍ إنسانيةٍ تتجاوز الحدود والاختلافات الثقافية.
تفاعل واسع وبداية لمسارٍ جديد
أشار الفنان إلى أنّ ردود الفعل على الأغنية كانت لافتة منذ اللحظات الأولى، إذ عبّر جمهور واسع من مختلف الدول – ولا سيّما الجاليات العربية في الخارج – عن إعجابه بالفكرة وتفاعله الكبير مع اللحن والكلمة.
واعتبر هاشم أنّ هذه التجربة ولّدت طاقةً إيجابية جعلت كل الجهد يستحقّ العناء، مؤكداً أنّ النجاح الحقيقي هو في لمس الناس بصدق الفن.
ألبوم فصحى قادم
في ختام حديثه، كشف الفنان أمين هاشم أنّ “غنّاكِ القلب” ليست سوى بداية لمسارٍ فنيّ جديد، إذ يعمل حالياً على تطوير مشروع موسيقي كامل باللغة العربية الفصحى، يدمج بين الأوركسترا العالمية وروح الشرق.
وأكد أنّ هذا المشروع سيكرّس توجهاً فنياً معاصراً ينطلق من الهوية العربية نحو العالمية، قائلاً: أؤمن بأن الفكر العالمي يمكن أن يُقدَّم بلغتنا العربية، فهي لغة الفن والخلود.
Awael News Magazine رئيس التحرير: عادل سميا
