الرئيسية / أخبار منوعة / صوت آب (Sound of August, 2025): حين يتحوّل الركام إلى ذاكرة ناطقة

صوت آب (Sound of August, 2025): حين يتحوّل الركام إلى ذاكرة ناطقة

49a2a7bf-2c46-4643-9cfb-d24442a6bff1بقلم روي حرب

في فيلم «صوت آب» للمخرج والممثل مارسيل غصن، ينهض الصمت من تحت الركام، ويتحوّل الصوت إلى ذاكرة، والوجع إلى حكاية عن الإنسان العالق بين الحياة والموت، بين الأمل واللاجدوى. إنه عمل لبناني بامتياز، من رحم الكارثة التي هزّت بيروت في الرابع من آب 2020، لكنّه يتجاوز الواقعة ليغدو تأمّلًا في هشاشة الوجود وعمق الفقد.

يحاصر الفيلم بطله إدي تحت خزانة سقطت عليه جرّاء الانفجار، فيصبح جسده مقيدًا، وصوته وحده وسيلته للبقاء. ومن هذا المأزق المكاني والإنساني، يخلق غصن فضاءً بصريًا خانقًا، لكنه غني بالمعنى. ليست بيروت هنا مجرد مدينة منكوبة، بل كيان يختنق مع بطله، ويبحث عن نبض في مدينة تئنّ من ثقل الخيانة والدمار.

من خلال مونولوج داخلي يمتزج بالأنفاس المقطوعة، يتحوّل إدي إلى رمز لكل من فقد أحباءه تحت الردم، ولكل من لم يجد صوتًا ليصرخ. لا نرى المأساة من الخارج، بل نعيشها من الداخل، عبر الكادر الضيّق والضوء الشحيح وصوت الغبار الذي يملأ الشاشة كما يملأ الذاكرة.

يعتمد غصن أسلوبًا بصريًا محكومًا بالإيقاع البطيء، كأن الكاميرا تتنفّس بصعوبة مع بطلها. اللقطات طويلة، والمونتاج متعمّد البطء، يمنح المشهد ثقلًا شعوريًا يوازي ثقل الحطام. يبتعد الفيلم عن الميلودراما، فلا يطلب دمعة المشاهد، بل يصنع له حالة تأملية تشبه الصلاة على أطلال مدينة.

في المقابل، تبرز المؤثرات الصوتية كأحد أبطال الفيلم الخفية: صرير الخزانة، صوت التنفّس، أزيز الغبار، كلها تحوّلت إلى موسيقى داخلية تُعيد تعريف “الصوت” في العنوان. هنا، الصوت لا يعني الضجيج، بل الذاكرة نفسها، الارتجاف الداخلي الذي يسبق الانهيار.

الأداء التمثيلي لمارسيل غصن متقشّف ومتزن، لا يصرخ ولا يستجدي التعاطف. في محنة الحصار، يكشف عن قدرة عالية على التعبير بالجسد المقيد، وبالوجه وحده. كل إيماءة هنا محمّلة بمعنى، وكل تنهيدة بوزن مشهد كامل. الممثل لا يؤدي شخصية فحسب، بل يجسّد فكرة: الإنسان الذي يحاول البقاء حيًّا كي لا تموت الذاكرة معه.

وقد تُوّج هذا الأداء المرهف بثلاث جوائز دولية مرموقة كأفضل ممثل في عام 2025، ضمن مهرجان أوروبا الشرقية السينمائي (Eastern Europe Film Festival)، وجوائز روما الدولية للأفلام (Rome International Movie Awards)، ومهرجان برلين للسينما المستقلة (Berlin Indie Film Festival)، ليؤكد أن الفن اللبناني، رغم الجراح، لا يزال قادرًا على مخاطبة العالم بلغته الخاصة.

“صوت آب” ليس فقط استعادة لذكرى الانفجار، بل هو أيضًا تأريخ للحظة انفجار أعمق — داخل النفس اللبنانية. آب، في الذاكرة الجماعية، لم يعد مجرّد شهر، بل ندبة في الوعي. أما الصوت، فهو مقاومة النسيان، صدى الذين لم يعودوا، واعتراف من بقي بأن الحياة، رغم الألم، ما زالت تحاول أن تتكلم.

يُقدّم الفيلم تجربة بصرية وإنسانية نادرة في السينما اللبنانية المعاصرة: لا يكتفي بتوثيق الكارثة، بل يعيد بناءها دراميًا بجرأة شعرية. هو فيلم عن الذاكرة، الوقت، والنجاة، أكثر منه عن الانفجار ذاته. ومن خلاله، يذكّرنا غصن بأن الفن ليس هروبًا من الواقع، بل الطريقة الوحيدة لتجاوزه.

«صوت آب» عمل متقشّف لكنه مفعم بالمعنى، هادئ لكنه يهزّ الأعماق. ينجح في تحويل المأساة إلى طقس بصري، وفي جعل الصمت أبلغ من الكلام. إنه فيلم يُشاهد بالقلب أكثر من العين، لأن ما بعد الرابع من آب، لم يعد في بيروت سوى صدى واحد… صوتٌ يبحث عن حياة.

#خدوني_ع_قد_عقلاتي

عن cmslgn

شاهد أيضاً

f9d70448-fe7e-43c5-b9c7-8dd3223632d1

روان عليان تطلق أغنية “أنت روحي”.. أولى تجاربها الغنائية بالفصحى

أطلقت الفنانة الفلسطينية روان عليان أحدث أعمالها الغنائية بعنوان “أنت روحي”، وهي أغنية رومنسية جديدة …