في عالمٍ تتكاثر فيه الأزمات وتثقل الضغوط كاهل الإنسان ويضعف قدرته على مواجهة الحياة بسلام، تبرز وجوه تعيد للروح توازنها وللحياة معناها. من بين هذه الشخصيّات، تتميّز بيرلا شمالي بصوتٍ داخليّ صادق ورسالة إنسانيّة وروحيّة شاملة. اختارت أن تسلك درب الشفاء العميق، لترافق الأفراد في رحلة استعادة التوازن بين العقل والجسد والروح، وتُعيد إليهم الثقة بأنّ الألم يمكن أن يتحوّل إلى قوّة والجراح إلى بصمة نور.
بخبرتها كاختصاصيّة في علاج الصدمات والتحوّل الشخصي (Trauma Therapist)، وتجربتها في المحكمة الروحيّة بحلّ النزاعات العائليّة وترميم العلاقات المتضرّرة، إضافة إلى تخصّصها في حركة الجسد، استطاعت أن ترسم نهجًا شاملاً يعالج الإنسان من الداخل إلى الخارج، جامعًا بين الإصغاء العميق، التحرّر العاطفي، والاتّصال الروحي.
– بدايةً، حدّثينا عن مفهوم الشفاء الشامل الذي يجمع بين الجسد والعقل والروح، وكيف ينعكس ذلك على حياة الإنسان اليومية؟
الشفاء الشامل هو رحلة لإستعادة التوازن بين الجسد، العقل والروح. أثبتت الدراسات أنّ كلّ حدث خارجي يترك بصمته في أجسادنا عبر الجهاز العصبي، فيُدخله في حالة تأهّب واضطراب دائم، ما يجعله عاجزاً عن العودة إلى توازنه الطبيعي. وهكذا نكمل حياتنا ونحن نحمل آثار أحداث مضت، نعتقد أنّنا تجاوزناها، لكنها في الحقيقة تختزن في عقلنا الباطن وجهازنا العصبي وتولّد مشاعر سلبيّة كالخوف، الغضب والحزن. هذه المشاعر تتراكم لتظهر في الجسد على شكل آلام أو أمراض، وفي السلوكيات غير المتّزنة أو حالات الاكتئاب.
الروح بدورها تتأثّر، فتشعر بالبعد عن مصدرها الحقيقي – الله – فيغرق الإنسان في شعور بعدم المحبّة، الضعف واليأس. لذلك فإنّ الشفاء الشامل يتطلّب إعادة تنظيم الجهاز العصبي، تحرير المشاعر والصدمات المخزّنة في العقل الباطن، وأخيراً ترميم الاتصال الروحي ليتصالح الإنسان مع ذاته ويدرك أنّه محبوب وله رسالة في هذه الحياة.
– في ظلّ الضغوطات والأزمات التي نعيشها، ما هي أبرز الخطوات الأولى التي تنصحين بها كلّ شخص يريد أن يبدأ رحلة الشفاء؟
أوّلاً، التركيز على خطوة واحدة وعدم مواجهة كلّ الأمور دفعةً واحدة، بل توزيعها بشكل متدرّج. ثانياً، القبول والتعريف: الاعتراف بالمشكلة وتحديدها بوضوح، فالحياد أو الإنكار يحوّل الإنسان إلى قنبلة موقوتة. ثالثاً، الانخراط في هذه الرحلة بمرافقة مختصّ، مع تجاوب كامل مع الخطوات المطلوبة. رابعاً، تخصيص وقت هدوء يومي بعيداً عن الضجيج لسماع الذات ومراقبة المشاعر.
خامساً، التذكير بالقوّة عبر ترديد نقاط القوّة بصوتٍ عالٍ لإعادة برمجة العقل.
سادساً، ممارسة التنفّس العميق: شهيق من الأنف 4 ثوانٍ، زفير من الفم 8 ثوانٍ، ثم شهيق 4 ثوانٍ وزفير 12 ثانية، وتكرار هذه الدورة نصف ساعة يومياً لتهدئة الجهاز العصبي.
– كثيرون يعتقدون أنّ الوقت وحده يشفي الجروح… برأيك، هل هذا الاعتقاد صحيح؟ وما الذي نحتاجه فعلاً لنتعافى؟
إنّ الوقت وحده لا يشفي الجروح، بل في معظم الأحيان يؤخّر انفجارها. الوقت هو فرصة ثمينة للعلاج، شرط أن نستثمره في مواجهة السبب والبدء بمسار الشفاء. يبدأ الحلّ من تجاوب الانسان المجروح مع المواجهة، لا الهروب منها، ومن الاستعانة بالشخص المناسب الذي يمنحه العلاج الصادق من القلب.
– كيف يمكن للإنسان أن يحوّل الألم إلى رسالة، والمعاناة إلى قوّة دافعة في حياته؟
المفتاح الأساسي هو الإيمان الكامل بالله. فهذه الثقة الحقيقيّة تنبع من الداخل وتعيد للإنسان توازنه بين البُعد المادّي والبعد الروحي. عندها يتحوّل الوعي إلى مصدر حكمة، ويبدأ الإنسان بتوجيه مشاعره بوعي، فيقبل الألم ويستشفّ منه الدروس، فيرى الصحيح من الخطأ. من هنا يستعيد ثقته بخطواته وإدراكه أنّ قوّته الحقيقية تنبع من العدل والرحمة الإلهيّة.
– لو طُلب منك أن تختصري معنى الشفاء بكلمة واحدة، ماذا تختارين ولماذا؟
أختار كلمة “التوازن” أي التوازن بين القلب والعقل. هناك مقولة نعرفها جميعًا: “أنا أفكّر، إذن أنا موجود”. وأضيف عليها: “أنا أحبّ، إذن أنا موجود”. هذا يعني أننا بحاجة لأن نعيش وأن نُحَقِّق توازنًا شاملًا هنا، لنبدأ الشفاء الكامل للإنسان من الداخل.
– ختاماً، ومن خلال خبرتك الطويلة، ما هي الرسالة الأهم التي تودّين إيصالها لكل شخص يشعر أنّه عالق في دائرة الألم أو اليأس؟
إن وجعك ليس ضعفاً، بل هو نداء روحك بأنّ وقت التغيير قد حان. مهما كان الظلام عميقاً، الشفاء ممكن إذا واجهت حقيقتك بشجاعة وسعيت للمساعدة. تذكّر أنّ جرحك اليوم قد يصبح غداً مصدر قوّتك ونورك. إنّه ليس قدرك، بل فرصة إلهيّة لتظهر معدن نفسك الحقيقي.