استع ادت مهرجانات بعلبك الدولية، شرق لبنان، جمهورها مساء الجمعة، بعد غياب ثلاث سنوات بسبب جائحة كوفيد-19، مع حفلة تمحورت حول التراث الفني المحلي، قدمت خلالها المغنية سمية بعلبكي بعضاً من أشهر كلاسيكيات الغناء اللبناني والعربي.
وعلى مدى ساعة ونصف الساعة، استمتع الحاضرون الذين توافدوا من مناطق لبنانية مختلفة إلى القلعة الرومانية الشهيرة، الواقعة على بعد 85 كيلومتراً من العاصمة بيروت، ببرنامج فني منوّع تضمن نحو عشرين أغنية لكبار المغنين الذين ملأت أصواتهم ذات يوم المعلم التاريخي في إطار هذه المهرجانات العريقة.
وخلال الأمسية التي حملت عنوان “رجعت ليالي بعلبك”، تلألأ معبد باخوس بأحجاره الضخمة وأعمدته الشاهقة، بالأنوار التي زادت رونقاً على المعلم البارز في “مدينة الشمس”. وتباين هذا المشهد مع العتمة التي كانت تلف جزءاً كبيراً من الشوارع المحيطة بمكان الحدث، وسط استفحال مشكلة انقطاع الكهرباء في بلد يعاني منذ نحو ثلاث سنوات أزمة اقتصادية توصف بأنها من الأسوأ عالمياً.
ورافق سمية بعلبكي التي كبرت في كنف عائلة من جنوب لبنان اختار معظم أفرادها التمرس في مجال الفن، أكثر من ثلاثين عازفاً من الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية بقيادة لبنان بعلبكي، شقيق المغنية، توزّعوا على الآلات الوتريّة والإيقاعية وآلات النفخ.
كما كان للرقص التراثي حصة في الحفلة، إذ واكب راقصون من “فرقة المجد” للدبكة البعلبكية الأغنيات الأولى، بينها خصوصاً “الميجانا” و”الدلعونا”.
تفاعل الحاضرون الذين تقدّمتهم شخصيات رسمية، بينهم وزراء ومسؤولون محليون، بحماس خلال الأمسية، من خلال الغناء والتصفيق للأعمال المختلفة التي أدّتها بعلبكي بمرافقة مغنّين من جوقة سيدة اللويزة اللبنانية.
وقالت رئيسة مهرجانات بعلبك الدولية، نايلة دو فريج، في مستهلّ الحفلة، إن الحدث الذي يتضمن أربع حفلات هذا العام يهدف إلى “إضاءة شرارة أمل”، بعدما فقد كثر “رغبة العيش”، في ظل الظروف الصعبة في لبنان الذي أصبح سكانه بأكثريتهم تحت خط الفقر.
وأعادت سمية بعلبكي، المعروفة بالتزامها أداء الأغنيات الطربية منذ بداية مسيرتها قبل ثلاثة عقود، الحاضرين إلى “العصر الذهبي” للأغنية اللبنانية. وقدّمت أغنيات يتّسم كثير منها بالطابع الوطني أو تتغنى بلبنان وطبيعته، بينها “يسلم لنا لبنان” لصباح، أو “يا جمال بلادي” و”رح حلفك بالغصن يا عصفور” لوديع الصافي.
كما استحوذت القصائد المغنّاة على حصة كبيرة في الأمسية التي نُقلت مباشرة عبر التلفزيون، إذ غنّت بعلبكي قصيدتَي “إبحار” للشاعر اللبناني الراحل أنور سلمان، و”قطتي الشامية” للشاعر السوري الراحل نزار قباني.
كذلك، أهدت المغنية بعلبك أغنية من كتابة الشاعر طلال حيدر، ابن المدينة، عنوانها “بعل”.
وكان للمغنية فيروز حضور في افتتاح دورة هذا العام من المهرجان الذي شكّلت لسنوات طويلة أحد أبرز أركانه، فقد قدّمت جوقة سيدة اللويزة مقاطع من أغنيات لها لا تزال راسخة في الذاكرة، بينها “إيماني ساطع” و”راجع بأصوات البلابل”.
وعلى الرغم من تخصيصها للتراث اللبناني، فإن الحفلة تضمنت أيضاً أعمالاً مصرية تحمل بصمات لبنانية. أدّت بعلبكي “على رمش عيونها”، الأغنية التي قدّمها وديع الصافي قبل نصف قرن وشكّلت أشهر نجاحاته باللهجة المصرية. كما اختُتمت الحفلة بأغنية “هذه ليلتي” التي كتب كلماتها الشاعر اللبناني جورج جرداق وخلّدتها بصوتها “كوكب الشرق” أم كلثوم التي استضافها المهرجان العريق في ست حفلات.
يُستكمل المهرجان الأحد مع حفلة تحييها فرقة أدونيس الشبابية لموسيقى البوب-روك، في إطار “التزام المهرجان دعم المواهب الشابة”. وفي اليوم التالي، يشهد المهرجان أمسية فلامنكو وجاز يحييها خصوصاً عازف الغيتار والمؤلف الإسباني خوسيه كيفيدو بوليتا.
يُختتم الحدث في 17 يوليو/تموز، بحفلة أُعدّت خصّيصاً للمهرجان، بتوقيع عازف البيانو اللبناني-الفرنسي سيمون غريشي الذي كان وراء مبادرة إقامة حفلة لدعم مهرجانات بعلبك في معهد العالم العربي في باريس، في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
منذ انطلاقها في منتصف خمسينيات القرن الماضي، استضافت مهرجانات بعلبك الدولية بعضاً من ألمع الأسماء الفنية العربية والعالمية، من أمثال شارل أزنافور وإيلا فيتزجيرالد وستينغ. لكنها اضطرت خلال العامين الماضيين للتكيف مع الأوضاع المترتبة عن جائحة كوفيد-19 والانهيار الاقتصادي في لبنان، مكتفيةً بحفلتَين من دون جمهور خلال دورتَي 2020 و2021، بُثتا على محطات التلفزيون والشبكات الاجتماعية.
ومع تخفيف القيود المرتبطة بالجائحة، يشهد لبنان هذا الصيف عودة للمهرجانات الفنية، لكن ببرمجة محدودة يغيب عنها النجوم الكبار، وميزانيات ضعيفة تتناسب مع الأزمة الاقتصادية التي أسفرت عن فقدان العملة المحلية أكثر من 90 في المائة من قيمتها.م