الرئيسية / أخبار منوعة / نادر التيماني: الإصلاح من دون حوكمة متينة، وهمٌ إداريّ سرعان ما ينهار تحت أول اختبار

نادر التيماني: الإصلاح من دون حوكمة متينة، وهمٌ إداريّ سرعان ما ينهار تحت أول اختبار

def78b88-09af-43a6-9117-6a8dec24fd3e

يقف القطاع المصرفي اللبناني اليوم عند منعطف تاريخي حاسم. فبعد أكثر من خمس سنوات من الانهيار المالي، وما رافقه من تراجع الثقة وتجميد الرساميل، بات واضحاً أن الترقيع المالي لم يعد مجدياً، خصوصاً وسط التحديات المتزايدة التي يواجهها مصرف لبنان في إدارة الأزمة.
لقد أدى تدهور الوضع المعيشي إلى تآكل الثقة بالقطاع المصرفي، وبات الإصلاح الحقيقي يبدأ من إعادة بناء الحوكمة والرقابة والمساءلة داخل كل مصرف، ويمتد ليشمل النظام المالي بأكمله.

ومع إدراج لبنان على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF) عام 2024، وتضمّنه لاحقًا القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي، لم تعد إعادة هيكلة القطاع خيارًا تقنيًا، بل ضرورة وطنية عاجلة لاستعادة الثقة والاستقرار المالي. فاستمرار الاقتصاد النقدي واتساع التعامل مع أطراف خاضعة للعقوبات يعرّضان النظام المالي لمخاطر جسيمة في العلاقات المصرفية الدولية، ويُضعفان موقع لبنان في أسواق التمويل الإقليمي والعالمي. يرتكز الإصلاح المنشود على خمسة أعمدة أساسية: شفافية الملكية، كفاية السيولة ورأس المال، استعادة ثقة المستثمر الأجنبي، تحديث منظومة الامتثال، وتعزيز نزاهة البنية المصرفية الأساسية.

في حوار خاص مع نادر التيماني، خبير ومستشار معتمد في الامتثال والحوكمة ومكافحة الجرائم المالية، يؤكد أن “لا يمكن تحقيق إصلاح حقيقي في ظل ملكيات غامضة أو مترابطة”.
ويرى أن من الضروري تحديد سقف الملكية الفردية بنسبة لا تتجاوز 10% من رأسمال أي مصرف دون موافقة الجهات التنظيمية، بينما يُسمح للمستثمرين المؤسسيين بالاحتفاظ بما بين 40 و60% بعد استيفاء متطلبات العناية الواجبة. ويضيف: “تنويع الملكية يحد من تضارب المصالح ويعزز المساءلة، بما يتماشى مع أفضل الممارسات المصرفية العالمية”.

كما يشدّد التيماني على أن نسب السيولة والملاءة يجب أن تكون واقعية ومدققة من جهات مستقلة، لا مجرد بيانات محاسبية داخلية. فالتطبيق الدقيق لمعايير بازل 3 وتدقيق نسب LCR وCAR بشكل فصلي يشكلان شرطاً أساسياً لإعادة المصداقية للقطاع. كما يدعو إلى أن يفرض مصرف لبنان اختبارات ضغط مفاجئة للتأكد من أن التقارير المالية تعكس المخاطر الفعلية لا التقديرات المجاملة.

الاستثمار الأجنبي: الثقة لا تُستعاد بالكلام

لطالما شكّل الاستثمار الأجنبي شريان الاقتصاد اللبناني، لكن غياب البنية القانونية السليمة وقانون حماية المستثمرين أضعف بيئة الثقة.
ويرى التيماني أن المطلوب اليوم هو إعادة بناء المناخ الاستثماري وفتح الباب أمام مساهمات أجنبية تتراوح بين 5% و60% من رأس المال، ما من شأنه أن يجذب مستثمرين موثوقين ويعيد بناء العلاقات المصرفية والمراسلة الدولية التي تمثل محور الثقة بين لبنان والأسواق العالمية.

الامتثال والحوكمة

لم يعد الامتثال مجرد إجراء إداري أو التزام تنظيمي، بل أصبح جدار الحماية الأول في مواجهة الجرائم المالية، ومؤشراً على نزاهة المؤسسات المصرفية وسلامة سمعتها الدولية. ويؤكد التيماني أن على المصارف اللبنانية تنفيذ تحليل فجوات امتثال شامل (Compliance Gap Analysis) يشمل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والعقوبات الدولية، والرشوة، والفساد، مع مواءمة النتائج مع معايير مجموعة العمل المالي (FATF)، ومبادئ الحوكمة وإدارة المخاطر الصادرة عن لجنة بازل، وأنظمة الإدارة الامتثالية (ISO 37301)، ومكافحة الرشوة (ISO 37001). كما يشدّد على ضرورة أن تتضمّن مجالس الإدارة لجاناً مستقلة للمخاطر والتدقيق والامتثال يقودها أعضاء غير تنفيذيين لضمان الشفافية والمساءلة وتعزيز ثقافة الحوكمة الفعالة.

التحول الرقمي أساس في القطاع المصرفي اليوم!

بينما تتسارع المصارف العالمية نحو التحول الرقمي الكامل وتطبيق سياسات الحماية من الجرائم السيبرانية، ما زال القطاع اللبناني متأخراً في البنية التكنولوجية. ويوضح نادر التيماني أن الإصلاح الفعلي يمر عبر تحديث الأنظمة المصرفية الأساسية (Core Banking Systems)، لتمكين الرقابة الفورية على السيولة، والمطابقة الآلية للعمليات، وتكامل أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما يشدد على أهمية التدقيق السنوي في الأمن السيبراني ودقة البيانات، لأن الثقة “لا تُبنى إلا على بيانات حقيقية ومتصلة بالواقع المالي”.

من جهة أخرى، يعتبر التيماني أن التدقيق الخارجي المستقل هو حجر الزاوية في ترسيخ الثقة.
فهو يجب أن يشمل مراجعة نسب السيولة، وضوابط الامتثال، وأمن الأنظمة المصرفية، لضمان أن الإصلاحات هيكلية لا تجميلية. ويرى أن الإشراف المستقل قادر على إعادة تقديم البيانات المالية اللبنانية إلى العالم بمصداقية وموضوعية، الأمر الذي قد يسهم في خروج لبنان من القائمة الرمادية واستعادة ثقة الشركاء الدوليين.

خارطة الطريق المستقبلية

وعن خطوات التنفيذ، يوضح نادر التيماني أن تطبيق الإصلاحات ضمن إطار مؤسسي شفاف سيقود إلى قطاع مصرفي رقمي، منضبط بالمخاطر، ومؤهل لاستعادة الثقة الدولية.
ويضيف: “عندها فقط يمكن الحديث عن استعادة علاقات المراسلة مع المصارف الأجنبية، وجذب الاستثمارات، وإعادة ثقة المودعين”.

ويختم قائلاً:

“لبنان قادر على النهوض من أزمته إذا ما استبدل الغموض بالرقابة، والجمود بالابتكار، والولاءات بالحوكمة. فالإصلاح ليس خياراً سياسياً، بل واجب اقتصادي ووطني”.

الإصلاح المصرفي في لبنان لم يعد خياراً سياسياً أو تقنياً، بل أصبح ضرورة وجودية لإعادة بناء الاستقرار النقدي والمالي.

فالمطلوب اليوم لا يقتصر على سنّ القوانين أو إصدار التعاميم، بل على تطبيقها بصرامة ومهنية، وربطها بـآليات تدقيق مستقلة وأنظمة رقابة رقمية تضمن الشفافية والمساءلة.

بهذه المقاربة فقط، يمكن للبنان أن يستعيد ثقة المجتمع الدولي ويُعيد صياغة صورته كمركز مالي نزيه وشفاف في الشرق الأوسط والعالم.

عن cmslgn

شاهد أيضاً

0d0fb1cf-f02a-4ee3-9d66-98bf0aa95700

ايلي فرنسيس يطلق ديري بالك

اطلق الفنان اللبناني إيلي فرنسيس بأغنيته الجديدة «ديري بالك» التي تحمل عنواناً تحذيرياً في طيّاته …