بقلم: سالي مهنا – صحفية اردنية
لم أؤمن يوماً بعبارة “أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل” ..
فالوصول في غير وقته أشد إيلاماً من عدم الوصول، فهو يعرّي أمامك فشلك، ويواجهك بحقيقة واحدة: أنك لستَ مهماً كما كنت تعتقد!
اليوم، وقد اعتبرت نفسي وصلت متأخرة عن كنز لم أعرف قيمته الحقيقية رغم أني كنت متابعة جيدة له، أدركت كم من التقصير نرتكبه يومياً بحقّ كل القامات والطاقات التمثيلية التي تعيش عمرها الافتراضي أمامنا، ويعنيها جداً أن تشعر بالتقدير الكافٍ قبل أن تغمض عينيها للأبد وتتركنا نلملم تقصيرنا في ذهول لم نتصور أن نعِشه يوماً!
فبعد مرور الأيام والشهور بسرعة لا تطاق على رحيل الخالد الصالح.. أنيق الحرف والصوت والخطوات.. خفيف الظل والحركات.. العبقري الذي وصل إلى عيوننا متأخراً، ثم رحل من أمامها مبكراً! ندرك جميعاً أو قد يدرك بعضنا لاحقاً، كم أضعنا من لحظات كان يمكن أن نستمتع بها أكثر في مشهد كان يقف ليقدّمه بكل طاقته وعنفوانه وتركيزه!
كان قلب خالد صالح أصغر من استيعاب صدمة قررت أن تكرر نفسها في العمر مرتين، لكنه كان يكفي لاستنشاق كل الهواء في هذا العالم!
فقد كنت أشعر وأنا أراقبه وأتتبّع حروفه، أنه لم يكن يتنفس مثلنا، بل كان يعزف أنفاسه ويرتّبها كإيقاع مدروس ومؤلف من نغمات شديدة التناسق..
ذلك التناسق الذي أحدثَ ثورةً رقيقةً أذهلتنا جميعاً، وجعلتنا ندرك كم نحن محظوظون برؤيته على شاشاتنا، ثم جعلتنا بعد ذلك ندرك حجم الخسارة!
خالد صالح هو فنان مرِن، يتنقل بين الأدوار بسلالة لا تصدَّق ..
فتجده فقيراً وغنياً كفيفاً ومبصراً بسيطاً ومعقداً مجنوناً ومشرداً، إبناً وأباً ثم رجل أعمال ثم قائداً “جهادياً”! وفيها جميعاً تكتشف في كل مرة كم هو عظيم وكم هو متمكّن من دوره وصوته ولفتاته وحركاته بإتقان لا يمكن أن يبرَع به أحد غيره!
مع كل مشهد أفنى فيه مجهوده وطاقته، ومع كل رحيل نعيشه، ندرك أن رحيل خالد صالح كان خسارتنا الكبرى على الإطلاق، إذ لم تضاهي أي خسارة أخرى خسارة فقدانه وحسرة غيابه.. فكم هو عظيم في حضوره وفي اختفاءه، وكم هو جميل أن يترجم الإنسان اسمه فيكون صالحاً في حياته وخالداً بعد مماته!