في كلِّ سنة يطلُّ علينا الشهرُ الفضيل، ونعدُ أنفُسنا بأن نُشاهدَ أعمالاً تلفزيونية من وحيِه، ولكنّنا نُصدَمُ بأننا نُشاهد أعمالاً فيها الكثير من العنف وممارسة الموبقات، كتعاطي المخدرات وشرب الخمر، ولولا العيب لكنّا شاهدنا مشاهدَ إباحيّة جريئة، ولكنّهم، والحمد لله، يخافون الرقابة وسلطتها عليهم، ولا يخافون الرقابة الإلهية.
كنّا، في السابق، نُشاهدُ مسلسلاتٍ تتحدّثُ عن الشهر الفضيل وعن الصحابة والأمور التي تتعلّق بالشؤون الدينيّة، ولكن ومنذ عدَّة سنوات لم نُشاهد مسلسلاً يتكلّم عن تلك الأمور إلا ما نُدر، ولكن مسلسلات هذه الأيام غلبَ عليها الحب والغرام والخيانة والعنف والمخدرات…بمعنى آخر، لم تعد تلك المسلسلات متعلّقة بهذا الشهر الفضيل سوى بالأمور التسويقيّة والمردود المادي…كل البرامج تغيّرت، واستُبدِلَت القصص التاريخيّة العريقة التي تتحدّثُ عن أمجاد العرب والعروبة، بقصصٍ غريبة عن مجتمعنا وتُشبهُ إلى حدٍّ قريب المجتمعات الغربيّة، وفي كثيرٍ من الأحيان يأتون بقصص وروايات مثّلَها الأجانب، يُعرّبونها وذلكَ عبر إضافة القليل من الملحِ العربي عليها…بحيث تُصبحُ لا أساس لها ولا رأس…ونجدُ معظمها يتمحوَرُ حولَ…إثنتان تختلفان على حبِّ رجلٍ واحد، أو رجلين يتصارعان للفوزِ بقلبِ فتاة واحدة، طبعاً تختلف الأحداث ولكن النتيجة واحدة…أو نُشاهد قصصَ وروايات العُنف والمافيات وعصابات المجرمين…طبعاً هنالك محطات متخصصة بالأمور الدينية، هي خارج هذا الموضوع، نحن نتكلّم عن المحطات وشركات الإنتاج التي تستغلُّ هذا الشهر الفضيل لتسويق منتجاتها وأفكارها التي لا تمتُّ لهذا الشهر بصِلة.
والأكثر من ذلك، لا بل الأبشعُ من ذلك، البرامج التي يُطلقون عليها إسم “البرامج الترفيهية”، فهي لا تُشبهُ الترفيه بشيء، لا بل معناها يُغرِّدُ بعيداً عن سرب الترفيه…وكذلكَ بعيداً عن سرب المعاني الرمضانيّة، ويدخل ضمن ألعاب الرعب…فنجد هذه البرامج تُحقّق، وللأسف، إيراداتٍ عالية ونسبة مشاهدة لا يُستهانُ بها، وتشوّه نظرَ وفكر المشاهد، وهي تطلُّ علينا كلَّ عام، وبأفكار جديدة جهنّميّة مهينة أكثر من ذي قبل، وفي كثيرٍ من الأحيان يتم إستضافة رموز فنيّة عريقة وتُهان بطريقة مشينة، فهؤلاء الضيوف مغرّرٌ بهم…فالمقدم يستدرجهم عبر برامج وهميّة وينفّذ فيهم خِططهُ الرهيبة والمرعبة والمؤذية في كثيرٍ من الأحيان…فبدل أن نشاهد برامج تثقيفيّة يكون صُلب مواضيعها الأدب والأدباء، الثقافة والمثقفين، الفن الراقي والفنانين، نجدُنا أمام برنامج غريب الأطوار كمقدّمه…
لكنّ الحق كلُّه على محطات التلفزة التي لا تفكّر بعقلِ المشاهد وتنمية أخلاقهِ لا بل تفكِّر بالمال الذي ستجنيه من جرّاء عرض هذه البرامج الهابطة والمسيئة للأخلاق…طبعاً سيقول البعض بأنّه إذا لم يُعجبنا فلنغيِّر المحطة…هذا سهلٌ جداً، ولكن الخطر ليس على الراشدين الواعيين لما يشاهدونه، ولكنَّ الخطر هو على الجيل الصاعد الذي يُشاهد هذه البرامج مع الأهل، وفي حال المنع، فمن دونهم، وذلك عبر اليوتيوب الذي يمكن لأيٍّ كان، لديه أي جهاز من الأجهزة الإلكترونية سواء أكان هاتفاً خلوياً ذكياً أو حاسوباً إلكترونياً، فبأمرٍ صغير منه تُفتحُ أبواب بحور المعلومات والبرامج التي يُريدها...وبالطبع سيشاهد تلك البرامج ويعتبر بأنَّ ما يقدّمونه له هو الصحيح والسليم لمجتمعه وعقله…
لذلك وحفاظاً على معاني الشهر الفضيل، ولكي تكون شركات الإنتاج محترمةً قيَمهُ وقُدسيّته، يجب عليها منح مساحة مهمة وكبيرة في إنتاجاتها…وترك الأعمال التي تتناول في طيّاتها العنف والمخدّرات والعشق الغريب إلى الأشهر الإحدى عشر المتبقية من السنة…وتقدّم فقط ما هو مفيد لمعاني الشهر الفضيل في هذا الشهر الفضيل…
كل رمضان وأنتم بخير…والأخلاق بخير…والقِيَم بخير.
إعداد: الصقر