الرئيسية / مجرد رأي / “الجوكر”… أيقونة ومصدر إلهام فني وجماهيري

“الجوكر”… أيقونة ومصدر إلهام فني وجماهيري

'الجوكر'حقق فيلم “الجوكر” نجاحاً مذهلاً على المستويين الجماهيري والنقدي، بل وتجاوز ذلك ليصبح أيقونة ومصدر إلهام، وشكّل نوعاً من الإنصاف للشعوب المظلومة، ولكي ندرك سبب النجاح المذهل لهذه النسخة الأخيرة من الفيلم، بطولة خواكين فينيكس وإخراج تود فيليبس، لا بد أن نتأمل بعض الجوانب المهمة، منها التمثيل والسيناريو والإخراج.
فيما يخص التمثيل، نجد في النسخة السابقة لفيلم “الجوكر” من إخراج كريستوفر نولان، قَدّم النجم هيث ليدغر مفهوماً فلسفياً للشخصية، ونجح فيها إلى درجة شكلت تحدياً لكل من يأتي بعده.
أما خواكين فينيكس فقَدّم في النسخة الأخيرة الشخصية ذاتها بمحتوى ذي بعد إنساني، أي أنه لم يكن شراًّ مطلقاً، كما في النسخ السابقة، ذلك التفسير الإنساني حمل بعداً اجتماعياً أيضا نتيجة لمعاناة الجوكر مع محيط لا يرحم، ويدفعه إلى الجنون والتحول إلى فعل الشر.
انتهج فينيكس طريقة مدرسة إيليا كازان ولي ستراسبيرغ، وهي تطوير لتعاليم كوستانتين إستانسلافسكي الذي لفت أنظار العالم إلى أن التمثيل ليس موهبة فقط، وإنما عِلم يغوص في العمليات العقلية والحسية والانفعالية والعصبية والجسدية، ليستطيع الممثل أن يسيطر على أدواته سيطرة كاملة غير منقوصة.
وأول من أدخل هذه التعاليم إلى الولايات المتحدة الأميركية هي ستيلا إديلر، ومنها تلقفها لي ستراسبيرغ فأسس “ستديو الممثل”، الذي تخرج منه أساطين التمثيل، مثل مارلون براندو، بول نيومان، جاك نيكلسون، داستن هوفمان، روبرت دي نيرو، آل باتشينو، ميريل ستريب وغيرهم.
لجأ خواكين فينيكس إلى مدرسة الأسلوب لكي يكّون سمات حقيقية لشخصية “الجوكر” بعيدا عن التنميط التقليدي، فنحت معالم شخصية إنسانية بكل ما تُمثله من ضعف وطيبة ومرض، إلى أن تتحول إلى الغضب والانحراف نحو الشر الدمويّ.
نجد أن خواكين أنقص وزنه بشكل واضح لكي يبدو مقنعاً في شخصية الجوكر التي تعيش واقعا مترعا بالفقر والمرض، وهكذا أطلق العنان لشعر رأسه لكي يبدو كما لو كان مهووساً بشكل أو بآخر، والأهم هو طريقة ماكياج “الجوكر” التي حرص الممثل على تقديمها بشكل مختلف فكان يتدخل في كل التفاصيل.
قدّم خواكين مرض اضطراب التعبير العاطفي، أي متلازمة الضحك دون القدرة على السيطرة أحيانا، أو البكاء الهستيري أو الاثنين معاً بأسلوبية احترافية شديدة، بحيث لا تقع في دائرة المبالغة التعبيرية فتفقد الشخصية مصداقيتها عند الجمهور، وبذلك كان عليه أن يجسدها ممسكاً بالخيط الرفيع بين الأسلوبية والشكل الطبيعي لكي يستسيغه الجمهور.
وفي مواضع أخرى من الفيلم خصوصا المعنية باكتشافه لمعلومات يجهلها، أو كيفية قتله لروبرت دي نيرو مقدم البرنامج الأشهر في مدينة جوثام، لم تكن هناك مشاهد مبالغ فيها، وإنما قدمها بمراحل تبدأ بالسخرية، فالاتهام، فالهجوم عليه وقتله.
نجح خواكين فينيكس بثبات انفعاليّ مذهل، وقدرة على التحكم في جهازه العصبي، في أن يُقّدِّم “الجوكر” بأسلوبية واحترافية شديدتين، مؤكدا، في نفس الوقت، إنسانية الشخصية. ولهذا تعاطفت الناس وتوحدت معها، وأصبح “الجوكر” داخل كل واحد منا، وفق موقع “الجزيرة”.
أما السيناريو، فقدّم كل من الكاتب سكوت سيلفر والمخرج تود فيليبس نسخة “الجوكر” الأخيرة، متأثرين بشكل أو بآخر بفيلمي “تاكسي درايفر” و”ملك الكوميديا”، وكلاهما من إخراج مارتن سكورسيزي وبطولة روبرت دي نيرو.
صاغ سكوت سيلفر وتود فيليبس في السيناريو، شخصية ليست شرّاً مطلقا كما كانت تقدَّم، وإنما جعلا الشرّ نتيجة لمجموعة ظروف اجتماعية قاسية. أي أن الفيلم بدأ على أرضية اجتماعية إنسانية، ومن ذلك على سبيل المثال، ألغت الحكومة في الفيلم دعم الأدوية، فتأثر آرثر فيلك المقيم في مدينة جوثام بهذا القرار، وتوقف عن أخذ الدواء الذي كان يحفظ له توازنه، مستعيدا إلغاء الرئيس ريغان قانون الصحة العقلية، ما أدى إلى ظهور المشردين والمختلين في شوارع نيويورك.
نستطيع أن نلحظ في ثنايا السيناريو أن مدينة “جوثام” تتكون من طبقة مسيطرة وأخرى معدمة، ونرى اعتداء مجموعة من شباب الطبقة الأولى على آرثر في المترو بالضرب والإهانة، قبل أن يبدأ جنوحه الكلي للعنف وتنتابه نوبات الجنون العنيف لحد الشروع في قتلهم. وهذا مشابه أيضا لحادثة حقيقية وقعت في نيويورك، وهي اعتداء مجموعة شباب من أغنياء وول ستريت، وهو شارع المال والقوة، على أحد الشباب المتسولين، ما دفعه لقتلهم.
وننتقل الآن إلى محور آخر، وهو اكتشاف آرثر أنه ابن بالتبني، وأن أمّه سمحت للأب، في الماضي، بضربه بقسوة في منطقة الرأس، مما تسبب في مرضه فيما بعدُ، وأن توماس وين، الثري الذي يمتلك القصور، يحتقر ابنه آرثر فيلك ويضربه أيضا. وفي مشهد آخر، يذهب آرثر إلى قصر توماس لكي يرى أباه يستمتع برغد ونعيم، بينما يعاني هو شظف العيش.
لا شك أن تلك الإشارات والمحاور شكّلت الأرضية الاجتماعية التي ستقف عليها أحداث الفيلم، بل وتُكّون حالة من تعاطف المشاهد مع شخصية آرثر، من خلال سرد تراكمي يدفع المشاهد إلى تبرير عنف “الجوكر” بل ويتوحد معه، لتكتسب شخصية الجوكر بعداً ثورياً شعبياً، تماما كمعادلها الموضوعي روبن هود.
وفي الإخراج نجح تود فيليبس في قيادة هذا العمل الفني ليُقّدم تفسيراً جمالياً اجتماعياً بامتياز، إذ اختار كل الأماكن الموحية بنيويورك لكي يجعلها أرضية أو خلفية للأحداث في مدينة جوثام، وهذا التوظيف أكسب الفيلم دلالة سياسية.
كما تمكّن تماما أيضا من السيطرة على الشريط الصوتي للفيلم، فلم يقدم موسيقى تصويرية مبالغا فيها، مثلما جعل من كل أماكن تصوير الفيلم أيقونات يتذكرها الناس.
استطاع تود فيليبس أن يُقدم معزوفة بصرية سمعية مؤثرة ومنضبطة. لا تجنح إلى الميلودراما، والأكثر من هذا تفهمه وإدارته للممثلين وبالذات خواكين الذي أتاح له تعداد وطول اللقطات، إظهار وإبراز انفعالاته المركّبة والمعقدة دون أن ينزلق إلى منحه إطلالات مجانية.
لا شك أننا أمام عمل مثالي نجح وحقق أكثر من مليار دولار بروح الفريق، والتفاهم والانسجام والجدية.

عن cmslgn

شاهد أيضاً

8915E88A-1D89-4452-A00B-60A550EEA75F

مسلسل العين بالعين لرامي عياش وسيرين عبد النور نجاح من الحلقات الاولى وتصدر مواقع التواصل الاجتماعي

عادل سميا – اوائل نيوز  انطلق  امس الأحد المسلسل اللبناني العين بالعين، وهو المسلسل الذي …