من أربعين يوم أغمض ملحم بركات عينيه عن هذه الدنيا الفانيّة ليفتحهما على نور المسيح… بإرادته أراد أن ينهي ألحانه بموسيقى ” كرمال النسيان” لينقل الحان مجده للآب السماوي يسبّحه، ويلحّن للملائكة من أجل تمجيده تعالى… غفى ملحم بركات قبل ثلاثة أيّام من موته، انقطع عن العالم محضّرًا نفسه للمقابلة الإلهيّة، ومحضّرًا الجميع لغيابه… غفى ملحم بركات وبغفوته كان يرعبهم… كيف لا ؟ وكانت كلمته ترعبهم، كان صمته يرعبهم، كان حقّه يرعبهم … كيف لا ؟ ولم يتجرأ أحد يومًا أن يخالف كلمته… لم يتجرأ أحد على رفع صوته بوجهه… لم تتجرأ إمرأة ان ترفع صوتها… لم يتجرأ ولد أن يتكلم … لم يتجرأ إعلاميّ أن يسأله سؤال مخالف… لم يتجرأ صاحب أن يخونه… لم يتجرّأوا ليس لانهم ضعفاء وهو ديكتاتوري، بل لم يتجرّأوا لانهم كانوا كلّهم تحت جناحه، كان الرجل الأول، والكلمة الصريحة، والأب المربّي الجازم، والصاحب الحق، والفنان الأصيل… بمختصر الكلام كان ” رَجُلاً “…
ولما غفى رجُلَ المجد وفقدوا دفىء جناحه علت الأصوات التي لم تكن يومًا تتجرأ أن تعلو… نساء رفعت صوتها، أبناء يتوعّدون، أصحاب يصرّحون، إعلاميون يتسابقون، صحافيون يبيعون ويشترون… في الأمس تقاسموه، تقاسموا اسمه، كانوا كاليهود الذين تقاسموا ثياب السيد المسيح يوم صلبه… لم يعرفوا ويقدّروا مجده ولا اسمه وقوّة ابداعه، شوّهوا كل شيء وهم يتقاسمون القشور… قتلوا ملحم بركات ألف مرة بعد موته مع أنهم يعلمون لو أن ملحم بركات على قيد الحياة ما استطاع أحد أن يتنفّس نفسًا واحدًا اذا ما أراد…
اسمعوا، ملحم بركات ليس لعائلة بركات ولا لكفرشيما، ولا لأصحابه المقرّبين ولا للسكوبات الإعلاميّة… ملحم
بركات للشعب كلّه لانه أرزة العلم، والعلم لكلّ اللبنانيين… لذلك، يا عائلة بركات خذوا كلّ شي الورته، الثياب، والمال، وكلّ المجد الباطل، واتركوا لنا أبا المجد… يا هالأصحاب المقرّبين خذوا الشهرة والقرابة والاسم، واتركوا لنا نجوميّة وابداع ملحم بركات… يا أهل الصحافة والاعلام خذوا سكوباتكم ومقالاتكم وخبرياتكم السخيفة، واتركوا لنا صورة ملحم بركات العظيمة … اتركوا لنا ملحم بركات فهو حبيب الجميع، وأب الجميع، وصاحب الجميع، وفنان الجميع…. ملحم بركات لنا ..