زميلي عصام
ما زالت عيوننا تدمع عند ذكر إسمِكَ، وقلبنا ينزف لرحيلكَ… أنا أعلم أنّك إلى جانب الله تتمتّع برؤية وجهه، وتعيش القيامة مع يسوع المسيح الذي رفعك معه وشرّفك في بيت الآب السماويّ…
عصام، أتمنى أن تصلك رسالتي على يد الملائكة. وقد أعطوك صفة الملاك، ولكنك لست بملاك. أنت من الشيوخ المختارين في سفر الرؤيا ” يخرّون… ويسجدون للحي إلى الأبد” (رؤ ٤: ٤-١٠)، تسبّح في وسطهم المبدع الأوّل الذي وهبك نِعَمِه لتُكمل إستمراريّة إبداعه في مواهبك… أنت لست بملاك بل من الشيوخ “الذين اشتراهم الحمل بدمه… وهؤلاء ليسوا ملائكة، إنما بشرًا قديسين يقدمون بخورًا الذي هو صلوات القديسين” (رؤ٥: ٨-٩)… ولكن أعطوك صفة “ملاك” لأنهم لا يعرفون القصة. قصة إختيارك منذ سنة. منذ سنة، هكذا بدأت القصة، “في بيت أبي منازل كثيرة… أنا أمضي لأعدّ لكم مكانًا” (يو١٣: ٢). أنا سمعت وآمنت، عند الآب السماويّ منازل كثيرة، واحدة منها أُعدّت للمبدعين الفنيين والإعلاميين… سمعت وآمنت، أنّ المنزل للمحبّين الذين أكملوا مسيرة الإبداع ليكون لهم مسكنًا دائمًا لإقامة مستمرة بعد جهادهم… سمعت وآمنت، أنّ عند الله ملائكة كُثر لكنه أراد مبدعًا على صورته ومثاله ليفتح باب المنزل المُعدّ لنا، واختارك أنت… سمعت ولذلك آمنت أنّك أكثر من ملاك، نجمٌ تخطى النجوم والنجوميّة، مبدعٌ وصل المبدعين بمصدر الابداع ، ومن يومها لنا نجمٌ مبدعٌ في السماء…
عصام، أتريد أن أخبرك عن لبنان بعدما تركته؟ أنا متأكّدة أنّك حزين عليه. شعور الهجرة الذي راودك يومًا في الماضي وعدلت عنه، اليوم كل اللبنانيين يتمنونه. الأمل الضئيل الذي أرجعك عن قرارك، اليوم اللبنانيين قد فقدوه… لبنان الفن والإبداع أصبح بلد النفايات والشبكات والخلافات والسمسارات الطائفية والسياسيّة. في سهراتكم، أخبر مبدعينا عن لبنان… أخبر ريمون جبارة أن مسرَحَهُ يبكي على لبنانه، أخبر صباح، ووديع الصافي، وذكي ناصيف، ونهوند وسعيد عقل والرحابنة أنّ قطعة لبنان أصبحت بعيدة عن السماء… أخبر يوسف الخال، وأنسي الحاج وأسعد رزوق، وخليل حاوي أنّ اللغة العربيّة في حداد… أخبرهم في سهراتكم عن لبنان وعن يأس اللبنانيين، وعن إستبداد وظلم الحكم السياسيّ، وعن الفقر الإقتصاديّ، والمرض البيئيّ، والفساد الإجتماعيّ، والضعف الإيمانيّ، والتراجع الفنيّ، والإنحطاط الإعلاميّ والتشويه اللغويّ… أخبرهم… علّكم في تسبحتكم تناشدون أمام الله وتستمدّون لنا منه الرحمة والرأفة للشعب والوطن…
أتريد أن تسألني عن الزملاء والوسط الفنيّ؟ لا زالوا كما تعرفهم، حرب إبداعيّة مفتوحة، متراس عليه مبدعون يجاهدون لرفع راية الفن والأدب والإعلام، وإكمال مسيرة مدرسة الكبار، ومتراس دخلاء يقتحمون الوسط بفتوحات بسيف المال والشهرة والمفاتن… لكن لا تخافوا، لأنّ دفّة الحرب لصالح المبدعين، هاجمين بقوّة، بسيف مواهبهم وإبداعهم، وأظنّ أنّك رأيت نجاح أعمالهم في الفترة الأخيرة.
عصام… يا حبيب المسيح والمُبدع المُختار… ها قد فتحت الباب السماويّ المعدّ للمبدعين عند الآب السماويّ، ودخلتَهُ أنت وكثيرين من المبدعين الكبار. تكلّموا للآب عن لبنان، واسألوه روح السلام والمحبة والوئام والتعاون… اذكروا الشعب والوطن، الجيش، الأمهات، الشبّان، المخطوفين، وكل أبناء الوطن… أذكروا المبدعين، اذكروهم بأسمائهم، فإنّ الله يعرفهم كلّ بإسمه فهو اختارهم ووهبهم مواهبه…
عصام، موتك علّمنا أن الموت صفعة موجعة لكنه جسر عبورٍ الى الحياة، إنّه ربحٌ لنا، يُسمِعنا صوت المبدع الأوّل ينادينا للحياة معه… عصام، سلام لك، سلام لروحك، سلام للمبدعين كبارنا…