ترجل وهو في عز عطائه، بعد مسيرة صاخبة و مليئة بالنجاحات و الإبداعات، ترجل ليترك إرثا عظيما من الألحان و الأعمال التي لن تمت و لن تنضب، بل ستستمر لأن العظماء لا يموتون و أسماؤهم تبقى خالدة من خلال ما جادت به قريحتهم.
أبو مجد مشى بطريقه و هو يوصي اللبنانيين بالأغنية اللبنانية، كان كما عرفه من عاشروه صادقا لا يتردد في التعبير عما يضايقه حين يتعلق الأمر بالفن، كان كحمامة بيضاء بين أهله و ذويه، لكنه اليوم ترك هذا المشوار الطويل الذي لا ينتهي كما قال رفيق دربه الشاعر نزار فرنسيس و الذي عزم الكثير من محبيه و من تخرج من مدرسته على إكماله.
مات ملحم بركات أو أبو مجد كما يحلو للبعض تسميه و لكن الوفاء لم يمت معه، فهو ملهم للكثيرين و معلمهم و هؤلاء ظلوا يحملون له كل الوفاء و يبادلونه تلك المحبة التي زينت إسمه و أنارت دربه. اليوم لم يعد هناك إلا قمر ملحم بركات الذي نور سماء الأغنية اللبنانية، فصاحب على بابي واقف قمرين ودع هذه الدنيا بما فيها و من يركض ورائها.
العديد من الناس قالو بعد سماعهم الخبر المؤلم ” من بعدك لمين يا أبو مجد ؟ “، فالعمالقة و النجوم يسقطون تباعا، و لا ندري من هو التالي. أبو مجد ودعنا على إيقاع أعماله التي لن تنسى ما دام هناك أناس يقدرون معنى الفن الأصيل، أما أرض كفرشيما فهي تستقبل إنسانا خرج منها قبل سنوات ليعود إليها إسما عظيما.
اليوم صمت الورد و صام عن الكلام، فنعي ملحم بركات أمر لم يتخيله أحد من أحبابه يوما، و لا أظن أن الكلمات ستستوعب هذه المهمة، و الورد الذي يحتاج للماء لكي يستطيع العيش لم يعد يهمه غير سماع تلك الألحان الشجية التي كان الفقيد يلحن بها الجريدة قبل الأغاني، فقد أصبحت روح الحياة و أكسجينها.
أصبحنا نعد الأيام و الساعات التي نعيشها من دونه بعدما كنا نعدها لكي نقول له عند إطلالته ” جيت بوقتك “، خسارة ملحم بركات كبيرة، عظيمة و لا تعوض و العظيم لا يموت بل يبقى في القلوب طالما ترك كنزا و إرثا و أعمالا خالدة.
رشيد أمالك.