مقالات مشابهة
إنه الفاعل الزماني – وقت وقوع الفعل – عام 2016، بعد رمضان – في آخر أيام عيده الأول – يحقق قفزةً نوعيّةً نسبًة إلى الفن اللبنانيّ… يلفت العنوان الأبرز كل الأنظار المرة هذه: دراما لبنانيّة تتخطى توقعات السقوط المُدوّي، تُسقطها أعمال مشتركة بنيّة الإنقاذ، وينقذها عملٌ لبناني الأصل من نواته الأولى…
تأتي هذا العام – مرة أخرى – كاتبةٌ من عالم الكوميديا تدعى “كارين رزق الله” فترفع يافتة الفرصة الأخيرة – التي لم تعد أخيرة للدراما اللبنانيّة – لتحلّق بعيدًا هي في دراما إجتماعيّة مميزة نحو السقف الأعلى من اللاتوقعات…
كتبت بطلة سلسلة “مرتي وأنا” الشهيرة مسلسلًا لا يشبهها، ولم تكتفِ بتغيير جلد قلمها فحسب، بل أدت دورًا لم تجسده إلا ممثلات الدراما “المتكلّفات” و”المحفوظات” نسبيًا في أدائهن. “هنا” – أي كارين – لم تسعى فقط لإسترجاع ذاتها المكسورة والمحطّمة نتيجة ظلم زوجها فحسب، بل أعادت معها أمجاد الدراما الماضيّة، بعدما أبدعت رزق الله في أداءٍ مفاجىءٍ لدورها، بشكل مثير للإعجاب، وذوّاق للعينين والحواس…
ثمة شغف بداخل الكاتبة اللبنانيّة إنفجر بهدوءٍ فإتزان… هي التي إعتدلت في توظيف الإنفعالات، لتوصل أداءًا علا القمة كُبت سابقًا لعوامل عديدة أبرزها إستغلال المنتجين وإستئثارهم الدراما لسنوات، ثم أزمة إستيراد الممثلين الأجانب…
لم تخلع “هنا” ثوب “كارين رزق الله” فحسب، بل خلعت ثوبًا مترديًا للدراما اللبنانية كاد يصيبها بالجرب، لتقدم صورة أوضح وأكثر عمقًا للقضايا الإجتماعيّة والإنسانيّة السائدة في البلاد بمرونة وبفعاليّة أخاذة.
وبالمقابل، ظهر بديع أبو شقرا من جديد ليؤكد ممثلًا مبدعًا خلق في الصميم، في دورٍ لم يكن ليليق إلا بإمكاناته الخياليّة، ليشارك رزق الله عملًا رُسخ في أذهان المشاهد اللبناني، الأخير الذي رفض الأعمال اللبنانيّة-العربيّة المشتركة، وتوّج “مش انا” ملكًا على عرش الدراما العربيّة، بتفوقٍ لبناني كلّي واضحٍ بإحصائيات نشرتها قناة “LBCI” منذ يومين.
ومن ناحية أخرى، لمعَ بريقُ “أندريه ناكوزي” في دورٍ تطلب عمقًا في الأداء النفسي، حلّقت به ناكوزي فوق سماء المنافسات بتحفةٍ من إبداعات. جاءت لتثبت هي أيضًا أنها نجمة من العيار الأصيل، بعيدةً عن أجواء نجمات مدللات صُنفن بخانة الصف الأول. ردت هي في موهبةٍ تُحسب للكاتبة رزق الله كيفية توظيفها في شخصية “نادين”، تلك التي تعاطف معها البعض وكرهها البعض الآخر…
وعلى المستوى عيّنه، بدا لرودريغ سليمان رونق مختلف في شخصيّة “فؤاد” التي جسدها بعقلانيّة وبتحكم ليساهم مع “كارين” في إيصال رسالتها عن المتسكع المكروه… هو ذاته الذي لا يُثمل عقله إلا في حالة خوف من خسارة إنسانيّة شاقة!
ومن سلالة مبدعي الأمس، سجّلت “لمى مرعشلي” نقاطًا إيجابيةً في تجربة درامية ناجحة إستطاعت بها إنعاش العمل بكوميديا طريفة وخفيفة الأجواء – وسط أحداث إتصفت “لهنا” بالمريرة – في نجاحٍ آخرٍ لرؤية رزق الله التي أكدت عدم نيتها إسقاط سوادويّة كاملة أكثر من حلقةٍ…
ولم نجد ما يوصف “ريتا عاد” التي جسّدت ألم شخصيتها بتقنية ممثلة مخضرمة، فجمعت بتكتيك تمثيلي هدوء إنفعالاتها وضجيجها في آنٍ ما، وكأنها تدعيك إلى الشعور العام بها دون مبالغات في حوارات أو تعابير حسيّة…
دون أن ننسى؛ لهفوةٍ؛ دويتو كوميديًا خلاقًا شكّلته سمارة نهرا المتألقة مع “نوال كامل” لتشكلا معًا إضافةً خفيفةً لكن مؤثرة للعمل الدرامي ككلّ…
إذًا، جاء “مش أنا” مع كارين، في صوتها، في رسالتها، وفي تمردها. أشك أن جلّ ما همها أخيرًا إقتناع “مجد” دراميًا بمدى إختلاف شخصيّة “هنا” عن أناها “الفوقيّة”، فلا شك أن القضية لديها أعمق وأشمل من سياقٍ:
“مش أنا” لربما كلمتين وجهتهما رزق الله للدراما اللبنانيّة التي لم تكن في صورتها الحقيقية مند عقود، وعادت إليها أخيرًا هذا الموسم بعدما جاورنا اليأس من ترديها، وإقتربنا من فقدان أمل إعادة إحياء أمجادها الماضيّة…
ستصرّح الدراما اللبنانية في كلمتها اليوم طبعًا: شكرًا كارين، لقد فهم المشاهد أخيرًا أنني “مش أنا”… تلك التي روّجوها وزيّفوها في أذهانك…
عبدالله بلال بعلبكي