أما البَليّة من فعل نقد برنامج هابط بمقدّميه وبمواضيعه فتكون أسوأ من جرم عرض البرنامج نفسه من خلال الردّ الفاجر المتفجّر بالغضب وبالإهانات من قبل المُنتقَد الذي يظن نفسه نرسيسا يغار منه الجميع على بغائه وغبائه. وبدل أن يعترف بفداحة زلّاته يواجه ناقديه بمزيد من الفجور والإهانات كما لو كان النقد في محلّه جريمة.
ألم يشبع الإعلام بعد من الإسفاف والسفاهة والاستخفاف بعقول البشر!! كلّنا يعلم أنه في خضمّ الأحداث البربرية التي تعصف بنا وبمن حولنا نحتاج الى فسحة نظيفة نرى من خلالها أنه ما زال هنالك في مكان ما أمل لنرتقي ببلدنا الى الأفضل وأن نتخطّى الأزمات التي تحاول تقطيع أوصالنا كلبنانيين. ولكن العكس هو الذي يفيض من كل مكان. فالمحطات ارتكزت مواضيعها على التهجّم على بعضها البعض أو على منتقديها وأجندة البرامج تمخّضت مضامينها بالهراء وبالتعالي والتهكّم على الناس بنيّة إضحاكهم وكأنّ إضحاك الناس وترفيههم يوازيان التفاهة والزعيق أو محاكمة الناس من احترام لخصوصياتهم ولمشاعرهم.
لا يمكننا نكران أنّ بعض التصريحات النقدية تأتي في مصلحة الإعلام أحيانا وهنا أذكر برنامج #لهون_وبس و#منّا_وجرّ ومثيلاتهم (من باب التأكيد وليس الترغيب) أنهم وإن انتقَدوا المذيعات والمذيعين أحسنوا إليهم بتنبيههم فتقبّل هؤلاء الآخرون النقد بنكتة وبسمة. ذلك لأنّ الإعلامي الراقي يُحسن استخدام النقد من أجل تحسين أدائه ولكن الويل كلّ الويل لمن ينتقد معتدّ، مغرور ظنّ نفسه شيئا لم يكنه يوما.
إنّ المغرور المعميّ عن حقيقته، لا يصحّح أخطاءه، لا يحسّن أداءه، ولا يتّخذ من زلّاته العبر فيقع في دائرة الأنا ويوقع معه المحطّة التي قبلت وتابعت نشر سخافاته في خانة “التعتير” الإعلامي.
ويبقى التمنّي الأخير، على كل القنوات التلفزيونية، بدراسة الصورة التي يعدّون لنشرها قبل سوقها الى الإعلام فتصبح مادة لا تناسب صورة المجتمع الذي تنتمي إليه مهما كانت جاذبة بغرابتها. ولتكن لكلّ مغرّد شاذ قناته بعيدا عن القنوات التي عوّدتنا على رقيّها وفرادتها.