سوزان هيكل
بعدما ملّ قلمي ممّا رآه من معاصٍ تُرتكب بحق اللغة العربية في الشعر والأدب، جفّ حبره صدقًا مع نفسه على قدر ما آلت إليه ضحالة اليوم في الفكرة والكتابة فاتّخذ الرجوع عن المجاملات فضيلة يُكرّم فيها نفسه عن رأيه بدلاً من كمّ التكريمات التي تُوزّع عشوائيا في هذا البلد.
محمد صالح بن عمر التونسي ووجوهه الشعرية
“منذ عام ٢٠٠٩ وأنا أتابع… ما تنشره نخبة من الشعراء والشاعرات… ما أوحى إليّ بفكرة إخضاعها لغربلة دقيقة قصد اصطفاء ما هو مقنع منها وجمعه في كتاب…”
هذا ما كتبه دكتور محمد صالح بن عمر، الأستاذ الناقد الذي ما اكتفى بتجربته في نقد الأدب التونسي شعرا ونثرا منذ سنة 1967 تاريخ صدور مقاله الأول في هذا الباب إلى أن اتّجه بداية من سنة 2009 إلى متابعة الشّعر العربيّ والعالميّ نقدا وترجمة. فصدرت له عدة مقالات وترجمات في مجلاّت ومواقع إلكترونية محكّمة عربيّة وفرنسيّة وبلجيكيّة ومجريّة وأمريكيّة بطلب من المشرفين عليها. وكان آخرها في مجموعته وجوه شعرية من العالم “راشيل الشدياق”، فمن هي؟
راشيل الشدياق “المثالية الحالمة”
هي ابنة رشعين الزغرتاوية، متخصّصة في اللغة الفرنسية وتكتب الشعر والأدب باللغتين العربية والفرنسية. لها في الشعر “Souffles sans âge” صدر عام ٢٠١١، “عفوًا منك” عام ٢٠١٢، “يوم راقصني المطر” عام ٢٠١٥، ومجموعة قصصية قيد التأليف، لم يحن موعد ولادتها بعد.
يصفُ بن عمر أسلوب الشاعرة بأنه ينصرف بمجمله الى تصوير عالمها الداخلي العامر بحب أفلاطوني يتراوح بين العنف واللطف، مستخدمة لمسات لفظية في منتهى الرشاقة، مستثمرة كأحسن ما يكون الاستثمار ما تتمتّع به من خيال خصب وحساسية جمالية مرهفة”.
أمّا عنها فيقول: “هي المرأة المثالية الحالمة، المتعالية عن سفاسف الواقع الأرضي شموخا وإباء، التائقة الى الرّفعة والسمو… المُجسّدة كأروع ما يكون الأنوثة الطبيعية، الصافية، الجامعة لصفات اللّيونة والخصوبة والخلق. وهي الحرّة، المتمرّدة، الجبّارة، العاتية التي لا تُبقي ولا تذرُ. وهو ما تلخّصه الشاعرة في هذا القول:
أودّ أن أكتبك / بوحشية الحرّة الشرسة / ونرجسية الطفلة المغناج / وروعة المرأة / بدثار عشقها الحريريّ”.
أمّا في الشعر باللغة الفرنسية فتنضح من أنفاسها نفحة وجودية، وجدانية تُخرجها من إطار الخطاب العشقي الى التعمّق في سفر الإنسان والإنسانية. ومن قصائدها المعرّبة في كتاب د. بن عمر تقول: “عرباتُ من مرّوا قبلي / قوافل في بيداء تلبسني / وصهيل فرس / في الأفق صارخا، يسرقني / أنزع تيجاني وعلى سخونة الرمل أنحني / لم المسير وقد فاتني قطاري / لم الركوع وغير سراب في اعوجاج ما امتدَ أمامي؟”
ومن أرز لبنان إلى صحارى العالم تنقلنا وكأنها تختصر في نفسها نساء كل الأصقاع والأعمار.
خضراء هي ابنة الشدياق، نضرة كتاباتها في الزمن الأسوأ لمواسم الإبداعات الوازنة. لا “تجترّ” راشيل كلماتها والصور كالكثيرين في زمن الشعر البالي إنّما تُبدِعُها لكي تُحدث فرقا لا تُقرّبه مسافات مع أبناء جيلها في الكتابة. لذلك، اختار د. بن عمر تكريمها، وقلّة غيرها، من خلال دراسة تُطلقها كشاعرة لبنانية في العالم العربي مختصرا كونها “تنبىء بقرب ميلاد صوت شعريّ نسائي سيكون له شأن في المستقبل إلى جانب الأصوات الشعرية اللامعة عربيا”.