باتت المسلسلات الدرامية الّتي تتبناها شاشات التلفزة تحتلّ مساحة لا بأس بها من حياة اللبنانيين بشكلٍ عام وربّات المنازل بشكلٍ خاص بغضّ النظر عن جودة ونوعية ما تُقدمه لعين المشاهد وأذنه.
وفي حركة سريعة لحركة الدراما على التلفزيون نقعُ وجهاً لوجه أمام مسلسل “متل القمر” المقتبس من القصّة المكسيكية الّتي رافقت يوميات الأطفال آن ذاك والّذين أصبحوا كباراً اليوم يبحثون عن ما يمثّلهم في الدراما لا من يمثّل عليهم.
“متل القمر” مسلسل لبناني ظُلِمَ وأظلمَ معه كل من اجتاز عتبته… من النصّ الّذي يفتقد إلى آداب الكتابة – التعبير – التعريب واللبننة… إلى فريق العمل الّذي بات يُشبه برامج تلفزيون الواقع، منهم من يُغادره… منهم من يُستبدل… ومنهم من يختفي فجأة… وصولاً إلى اختيار ممثلين الّذي أقلّ مل يُقال عنه أنه جريمة قتل محكمة مع سابق الإصرار والترصّد… أو رمي البعض منهم في حمام السباحة في حين أنّه لا يُجيد العوم.
كان من الأجدر أن يتريّث الشاب “وسام صليبا” ويُصغي لوالده وذلك بالنسبة الى مشاركته في هذا المسلسل وهذا خوقاً من حرق ونسف ما حققه في مسلسل “أحمد وكريستينا”.
وكان من الأجدر على “ستيفاني صليبا” ألّا تستيقظ في يوم من الأيام وتشعرُ بأنها مهيّأة كي تكون ممثلة… وتتكىء على شمّاعة الممثلة القديرة ” تقلا شمعون” الّتي تُسيء إليها كلما أتت على ذكر أنها تلقت دورة تدريبية تحت إشرافها… فالأكيد أن تقلا شمعون بريئة من دم هذه الواقعة.
أمّا الكارثة الأكبر فكانت تُحتّم حفظ ماء الوجه لدى القيّمين على هذا العمل الّذين كان من المفروض عليهم أن يجدوا ألف طريقة للإعتذار من المشاهد بدلاً من تبرير وتجميل ما يحصل بنسب المشاهدة الغريبة الّتي إن دلّت على شيء فعلى جمهور ينتظر هكذا مسلسل ليضحك على الأخطاء ويتهكّم من نوعية التمثيل المبتذل والمعلّب والّذي لا يصلحُ حتّى لحفلات أخر السنة في صفوف الروضة.
أمّا في المقلب الآخر، يقوم مسلسل “سوا” بلملمة الخراب الّذي خلّفه ” متل القمر” على الرغم من بعض الضعف في الحبكة وترابط الأحداث في بعض الأحيان، ناهيك عن عدم مقدرتنا بعد علة خلق دراما “بوليسية” – شيّقة يطغى عليها جو “الأكشن”.
وهنا لا بدّ أن نُثني على أداء بعض الممثلين لا سيما الموهبة الشابة “إيف شلالا” الّذي يتمتّع بعفوية وطبيعيّة يفتقدها الكثير من الممثلين المحترفين في يومنا هذا، هذا إضافةً إلى “إيميه صيّاح” الّتي تشقّ طريقها بحنكة في عالم التمثيل بعيداً عن الإدعاء والتزلّف. أمّا بالنسبة للمثل “يوسف الخال” فهو نجم لبنان الأول والورقة الرابحة لأي مسلسل يشارك فيه وإضافة لأي عمل درامي ومع كل دور جديد يقدمه يغوص في أعماق الشخصية إلى حد كبير…
في سياق منفصل، يُلاحظ أن الحركة الإخراجية للفيديو كليبات تتراجع تدريجياً إن من ناحية الأفكار أو من ناحية كمية الكليبات، هذا فضلاً عن أن البعض منهم يلجأ إلى عرض عمله على قناته الخاصة على “يوتيوب” أو على “أنغامي” وذلك تماشياً مع ثورة مواقع التواصل الإجتماعي.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، أبصر كليب الفنانة “إليسا” النور مؤخراً وإن كان ما قدّمه خجولاً بالنسبة للأفكار، هذا فضلاً عن كليب ناصيف زيتون الّذي أتى سلساً وجميلاً لكنّه لم يُقدّم أي فكرة مستحدثة كما عوّدنا المخرج المتميّز جاد شويري في أعماله.
وعلى صعيد آخر، يعيشُ المسرح اللبناني الملتزم حركة ناشطة تُشبه خليّة النّحل وهذا إن دلّ على شيء فعلى يقظة المفكّرين والمبدعين الّذين يُدركون أهمية المسرح في المجتمعات ودوره في تقدّم الأمم وتطوّرها.
وهنا لا بد أن نشير إلى أن في دول الغرب، تسقُطُ أنظمة وأمم في حال غياب الأعمال المسرحية عن البلد وهذا الأمر لا يحصلُ في مجتمعنا.
والملفت أيضاً أن اللبنانيّ إن زار بلد أجنبي، يقوم بالتوجه أولاً إلى مسارحه للتعرّف إلى ثقافته وحضارته… وهذا الأمر نادراً ما يحصلُ في وطننا وبيئتنا.
أصبح الجمهور اللبنانيّ مؤخراً أكثر وعياً اهتماماً بالمسرح وذلك بعد أن خيّب أماله التلفزيون وما يُقدّم على شاشاته.
من مسرحية “مسرح الجريمة” للممثلة والمخرجة “بيتي توتل” إلى “مفتاح الست نجاة” للممثلة والمخرجة “عايدة صبرا”… إلى “إنجازات حياة ” للعظيم “كميل سلامة”… إلى “بنت الجبل” للكبير “روميو لحّود” وصولاً إلى “غرام أو انتقام” الّتي لا زالت تُعرض على مسرح الجمّيزة للممثل والمخرج “جو قديح” الّذي اختار أن يتحدث عن رواية “دو لاكلو” و”كونت دو فالمون” الذي ترسل بطلبه “الماركيز دو ميرتوي” وتحثه على مؤامرة تعيد إليها أحد عشاقها. من هنا، تتبلور للمشاهد شبكة علاقات تجمع فالمون، بمدام دو تورفيل، بسيسيل دو فولانج، ودانسيني الفارس الوسيم وقد بنيت جميعها على الغواية والإغراء تارة، المغامرة والخيانة طوراً، وصولاً إلى اكتشاف الحب بعد فوات الأوان.
لا يُخفي صُنّاع المسرح الّذين يؤمنون حقيقةُ بالفنّ الحقيفيّ البعيد عن السذاجة والإستخفاف بعقول المشاهدين عن صعوبة ما يقومون به والتمرينات المكثّفة في ظلّ غياب وانعدام الدعم المادّي لأعمالهم الّتي تُقدّم فنّاً عظيماً يَطبعُ ويعلّم في ذهن المشاهد رغم غياب البهورات النظرية والتجهيزات المكلفة والفانية وهذا إن دلّ على شيء فعلى أهمية أن يعي صُنّاع الفنّ في لبنان أن السرّ يكمنُ في نوعية ما نُقدّم لا في كميّة ما نُقدّم و المعنى في قلب الشاعر.
وهنا نُذكّر كالعادة أن هذه التعليقات هي من باب التذكير وليس التدبير, وهي لا تذمّ بالأعمال الّتي تُقدّم إنما تضع في مرآتها عين ناقدة لا منتقدة.
ويبقى السؤال الأهم هل سنشهد في الفترة المقبلة على نهضة أكبر للدراما والكليبات والمسرح؟
مجرد سؤال